الأربعاء، ٢٤ ربيع الأول ١٤٣١ هـ

الشوفينية وبائع العسلية

الكلام الكبير ضيعنا وقديماً قالوا لم لا تفهم ما يقال فكان؟! الرد: ولم لا تقول ما يفهم؟!.. وقد أعجبتنى معايدة صديقى محمد الشبه ورسالته التليفونية التى جاء فيها..

إن الرعيل الأول من الليبراليين الجدد أضفى سيكولوجية انفعالية على ممارسات العولمة مما أدى إلى الوقوف عند حد إلزامى لما يصوره التحرر الدراماتيكى من براثن التقيد بكل ما هو مشتق من كراهية الآخرين وحب الشوفينية ..المهم أنا لقيت بتاع العسلية.. أجيبلك معايا؟.. حلوة.. حلوة جداً.. ومنطقية.. فالمقدمات تؤدى دائماً إلى النتائج..

فإذا كانت اللغة من البداية غير مفهومة ومعقدة أراح الناس أنفسهم بالهرتلة.. والهرتلة هى أى كلام فاضى مليان.. مثل كلام الدبلوماسى الذى يتحدث كثيراً دون أن يقول شيئاً.. أو مثل كلام المفكرين الذين تحوروا ومخهم أصبح مثل كرة القدم فى مباراة مصر والجزائر..

النخبة والمثقفون يتهمون الجماهير بالغوغائية وبأنهم سوقة ودهماء.. والجماهير فى دفاعهم المشروع عن أنفسهم يتهمون المثقفين بالتفلسف والمنظرة والتعالى والغرور..

وبالتالى ..

هم لا يصلحون لقيادة الرأى العام وكل عام وأنتم بخير..

والناس البسطاء يفتحون أفواههم اندهاشاً مما يقوله لهم السياسيون عندما يحدثونهم عن المواطنة وقبول الآخر والالتزام الدستورى..

زمان كنت أصحوعلى صوت سايس الجراج بجوار بيتنا وهو فى حالة زعيق وثورة وعامل غاغة وكنت أحاول أن أفهم ما يقول أو أستبين كلماته العجيبة المبهمة التى هى مجرد أصوات هلامية غامضة.. وكانت المفاجأة فى يوم من الأيام هى أننى اكتشفت أنه أخرس. أى والله أخرس.. فعجبت أيماً عجب ورحت أقول فى نفسى أخرس وعصبى جداً ومصمم أنه يزعق ويهاتى.. وكنت فى نفسى أعيب عليه هذا السلوك التناقضى.. ولكننى عذرته من كل قلبى عندما سافرت إلى فرنسا لأول مرة وأنا لا أعرف إلا عشر جمل من الفرنسية.. وكنت أحاول أن أتفاهم مع أهل فرنسا.. فأنطق الكلام ولا يفهمونه وينظرون إلى على اعتبار أننى أخرس يحاول أن يتكلم ويصر على ذلك ويومها آمنت بالحكمة التى تقول (من يعب يوما بشىء لم يمت حتى يراه )

أعود إلى حالة الخرس القومى التى نعيشها هذه الأيام والتى تشبه حوار الطرشان.. لا أحد يفهم أحداً بسهولة وكل واحد يتهم الآخر بأنه يتفذلك وأنه لا يفهم شيئاً.. وترى فى الحوارات التليفزيونية المحاور طوال الوقت يحاول ترجمة ما يقوله بعض الناس ويقول لك هو يقصد كذا وكذا وكأننا أصبحنا أعاجم وسائحين نحتاج إلى ترجمان يلعب دور همزة الوصل..

الحالة الآن هى كل واحد فاهم كل حاجة وفى الوقت نفسه ماحدش فاهم حاجة.. حوار طرشان تقوده نظرية الفيل والعميان وأذكر أن الأستاذ هيكل مرة داعب أحد المفكرين الذين كانوا يتحدثون عن العولمة فلم نفهم منهم شيئاً قال له الأستاذ.. أظن أننى أعرف الآن بالضبط ما هى القطعة التى كنت تمسكها من الفيل وأنت تشرح هذا الكلام الكبير.. هاهاها.

ــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر : المصري اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق